ثانياً: الحد الناقص:
التعريف بالحد الناقص: (هو ما تألف من الجنس البعيد والفصل أو ما كان بالفصل وحده.
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه جسم ناطق.
فكلمة (جسم) تمثل جنساً بعيداً للإنسان لا يدل على طبيعته على وجه الدقة.
وكلمة (ناطق) فصل مميز ذاتي يختص به وحده.
وعدم الدلالة على حقيقة المعرَّف وماهيته في ذلك المثال هو ما جعل ذلك التعريف من قبيل الحد الناقص.
وكذلك الحال إذا اكتفينا في التعريف بالفعل وحده.
ثانياً: التعريف بالرسم:
هو التعريف المؤلف من الصفات العرضية أو بعضها للشيء المعرَّف، ويسمى التعريف الوصفي أو التعريف بالرسم؛ لأنه يعرَّف الشيء بذكر خاصة من خواصه تميزه عن بقية الأشياء الأخرى، فالتعريف بالرسم: يرسم صورة ظاهرة للشيء دون الكشف عن حقيقته وماهيته.
والتعريف بالرسم ينقسم إلى التعريف بالرسم التام والتعريف بالرسم الناقص، والتفصيل كالآتي:
التعريف بالرسم التام:
وهو المؤلف من الجنس القريب والخاصة أي من مميز ذاتي مشترك مع صفة ليست جزءاً من الماهية، لكنها لازمة لها، وهي خاصة.
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك أو حيوان كاتب.
التعريف بالرسم الناقص :
هو التعريف المؤلف من الجنس البعيد والخاصة أو بالخاصة وحدها
مثال ذلك: تعريف الإنسان بأنه جسم كاتب أو جسم ضاحك.
فالجسم: جنس بعيد للإنسان، وكاتب -ومثلها ضاحك-: خاصة.
أو تعريف الإنسان بأنه ضاحك، فهذا تعريف بالخاصة وحدها.
شروط التعريف:
لكي يؤدي التعريف إلى الغاية المقصودة منه اشترط أهل المنطق له عدة شروط هي:
الشرط الأول: أن يكون التعريف بالحد التام المبين للماهية والكاشف عن الحقيقة.
الشرط الثاني: أن يكون التعريف جامعاً مانعاً، أي جامعاً لكل أفراد غيره، ومعنى ذلك أن التعريف لا بد أن يكون مساوياً للمعرف من جهة الماصدق.
فلا يكون أعم: أي أوسع مجالاً من المعرّف.
ولا يكون أخص: أي أضيق مجالاً من المعرّف.
الشرط الثالث: أن يكون التعريف أوضح من المعرّف في المعنى لكي تتحقق الفائدة المقصودة من التعريف.
مثال ذلك: تعريف الغضنفر بالأسد؛ لأن الأسد أظهر وأوضح عند السامع من الغضنفر، ولا يجوز أن يكون التعريف مساوياً للمعرّف في الظهور أو أخفى منه.
مثال الأول: تعريف الزوج بما ليس فرداً.
الشرط الرابع: أن لا يكون التعريف بما لا يعرف إلا بواسطة الشيء المعرّف؛ لأن ذلك يدخل فيما يعرف بالدور السبقي، وهو ممتنع.
مثال ذلك: تعريف الشمس بأنها كوكب يطلع نهاراً، فالنهار في الحقيقة إنما يعرف بطول الشمس وليس العكس.
ويلاحظ في هذا الشرط عدم جواز إدخال الأحكام في الحدود التي أساسها التصور؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
الشرط الخامس: أن لا يكون التعريف للشيء بنفسه، بمعنى تعريفه بمرادفه أو ببعضه.
مثال ذلك: تعريف الحركة بأنها هي النقلة، فالنقلة من أقسام الحركة، أو تعريف الزمان بأنه مدة الحركة؛ إذ المدة مرادفة للزمان.
الشرط السادس: أن يكون التعريف خالياً من المجاز إلا مع قرينة تعين المقصود بالتعريف، وأن يكون خالياً من الألفاظ المستعارة والغريبة والوحشية، بل يجب أن تستعمل فيه الألفاظ الواضحة المعتادة.
خلاصة
ينبغي أن يكون التعريف جامعا مانعا في محتواه، واضحا في معناه، لا لغو فيه، ولا سلب في تعبيره)
المفهوم والماصدق
كل اسم أو حد إما أن يشير إلى موضوع أو موضوعات معينة، وإما أن يشير إلى صفة أو صفات يحتويـــــها ذلك الموضوع أو تلك الموضــــوعات. والأشــــياء أو الموضوعات التي يشــير إليها الاســـم أو الحد تسمى بالماصدق. أما الصـــفات أو الكيفيات فتسمى بالمفهوم.
يطلق لفظ المفهوم في إصلاح المناطقة، ويراد به مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التي يثيرها اللفظ في ذهن السامع والقارئ، أي: هو ما يفهم من اللفظ، أي: معناه.
أما الماصدق: فهو المسميات الخارجية التي يصدق عليها اللفظ، أي: أنه يدل على الأفراد التي ينطبق عليها اللفظ، وهي الأشياء التي جاء هذا اللفظ ليسميها.
أو بعبارة أخرى: الماصدق يطلق على الأفراد المندرجة تحت مفهوم اللفظ، فلكل اسم أو حد إذن ناحيتان:
أ- ناحية الماصدق:
أي ناحية الإشارة إلى أفراد أو أشياء يتحقق فيهم أو يصدق عليهم اللفظ.
ب- ناحية المفهوم:
أي مجموعة الصفات والخصائص الذهنية التي تحمل على هؤلاء الأفراد.
مثال ذلك: لفظ (معدن) فيه جانبان:
أحدهما: يدل على ذاتية المعدن أو صفاته الجوهرية التي منها تتقوم حقيقته وتتميز عن غيرها؛ وذلك جانب المفهوم؛ وهو أنه موصل جيد للحرارة والكهرباء، سهل الطَرْق والتشكيل.
وثانيهما: يدل على الأفراد أو الجزئيات التي تندرج تحت هذا المفهوم، وذلك جانب الماصدق. وهو في هذا المثال: الحديد والنحاس والرصاص والذهب… الخ.
ويلاحظ أنه يوجد نوع من العلاقة العكسية بين المفهوم والماصدق؛ فكلما زادت خصائص المفهوم قلت أفراد الماصدق، وكلما قلت خصائص المفهوم زادت عدد الماصدق.
القضايا (التصديقات)
مدخل:
تبين - مما سبق - أن التصور هو إدراك حقيقة الشيء وماهيته إدراكاً ذهنياً دون حكم عليه بصدق أو كذب.
وتبين أيضاً أن الطريق المعتمد لوصول إلى ذلك التصور عند أهل المنطق هو التعريف بالحد التام، وهو ما يعرف بالحد الأرسطي.
واشتهر عن أهل المنطق -سواء من تصريحهم أو من طريقة عرضهم لهذه المسائل وما تقتضيه- أنه لا يمكن الوصول إلى التصور النظري إلا بالحد الأرسطي.
وعلى كل حال، فالتصور يمثل الخطوة الأولى في العلوم التي ينبني عليها ما بعدها من التصديقات والاستدلالات.
وأما التصديق -كما سبق ذكره- فهو الحكم بالارتباط بين تصورين، فإذا جاء الحكم مطابقاً للواقع كان صادقاً، وإذا جاء مخالفاً للواقع كان كاذباً.
فإذا كان التصور لا يحكم فيه بصدق أو كذب، فإن التصديق لا يقوم إلا على حكم.
والحكم يحتاج في التعبير عنه إلى تركيب خبري يحتمل الصدق والكذب؛ هذا التركيب يسمى في المنطق "قضية".
هذه القضية وأقسامها وما يتعلق بها، سوف أتناولها تحت عنوان : مبادئ التصديقات.
ثم يأتي بعد ذلك الكلام عن الارتباط بين هذه "القضايا المنطقية" وصولاً إلى الاستدلال الذي يمثل المقصود الأعظم من فن المنطق كله، وهو ما أتناوله تحت عنوان: مكانة القياس المنطقي: (مقاصد التصديقات)، وهو ما يمثل الفصل الثاني من القسم الثالث.
(القضايا المنطقية)
والقضية المنطقية هي قول مؤلف يحكم فيه بنسبة شيء إلى شيء على سبيل الإيجاب أو السلب، ويسمى طرفاً للقضية حدين، وهما اللذان يحكم بنسبة أحدهما للآخر.
وتتركب القضية المنطقية -كما سبق بيانه- من الموضوع والمحمول والرابطة بينهما:
أنواع القضايا:
تنقسم القضايا من حيث تركيبها إلى الحملية والشرطية كالآتي:
أولاً: القضية الحملية:
وهي التي يحكم بها بإثبات شيء بشيء أو نفي شيء عن شيء
وتنقسم القضية الحملية من حيث الكم إلى كلية وجزئية:
فالقضية الحملية الكلية: هي التي يكون الحكم فيها واقعاً على كل أفراد الموضوع.
والقضية الحملية الجزئية: هي التي يكون الحكم فيها واقعاً على بعض أفراد الموضوع.
وتنقسم القضية الحملية من حيث الكيف إلى موجبة وسالبة كالآتي:
القضية الحملية الموجبة: هي التي يكون الحكم فيها بإثبات شيء لشيء، بمعنى أن المحمول فيها يثبت صفة للموضوع.
والقضية الحملية السالبة: هي التي يكون الحكم فيها بنفي شيء عن شيء، بمعنى أن المحمول فيها يُنفى عن الموضوع.
السور في القضية الحملية:
المقصود عند أهل المنطق بكلمة "سور القضية" هو ما يدل على الكلية والجزئية فيها تشبيها له بالسور الذي يحيط بالمنـزل.
وتعريف السور عند أهل المنطق: هو اللفظ الدال على إحاطة المحمول بجميع أفراد الموضوع أو بعضها إيجاباً وسلباً.
وبذلك ينقسم سور القضية الحملية إلى أربعة أقسام على النحو التالي:
سور كلي إيجابي: نحو (كل) و (عامة) وما شابه ذلك.
سور كلي سلبي: نحو (لا شيء) و (لا واحد) ونحوهما.
سور جزئي إيجابي: نحو (بعض).
سور جزئي سلبي: نحو (بعض ليس) و (ليس بعض).
والقضية الحملية لا بد لموضوعها من أحد أمرين:
إما أن يكون كلياً، وإما أن يكون جزئياً.
فإن كان موضوعاً كلياً فله مع السور خمس حالات:
أن يُسوَّر بسور كلي إيجابي.
أن يسور بسور كلي سلبي.
أن يسور بسور جزئي إيجابي.
أن يسور بسور جزئي سلبي.
أن يهمل من السور.
وهذا القسم بمنـزلة الكليةالجزئية.
فأقسام القضية الحملية التي موضوعها كلي أربعة في الحقيقة؛ لأن المهملة في قوة الكلية.
وأما إن كان موضوعها جزئياً فهي التي تسمى شخصية ومخصوصة، ولها مع السور حالتان:
أن تكون موجبة: نحو (زيد قائم).
أو تكون سالبة: نحو (زيد ليس بقائم).
فتحصل أن القضية الحملية باعتبار الكيف والكم ستة أقسام:
كلية موجبة: مثال (كل إنسان حيوان).
كلية سالبة: مثال (لا شيء من الإنسان بحجر).
جزئية موجبة: مثال (بعض الحيوان إنسان).
جزئية سالبة: مثال ( بعض الحيوان ليس بإنسان).
شخصية موجبة: مثال (زيد قائم).
شخصية سالبة: مثال (زيد ليس بقائم).
ثانياً: القضية الشرطية:
"ما تركبت من جزأين ربط أحدهما بالآخر بأداة شرط أو عناد".
مثال: إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود.
والعدد إما زوج وإما فرد
إذن تتألف القضية الشرطية من قضيتين حمليتين ترتبطان بأداة ربط معينة، تسمى القضية الأولى: "مقدم"، وتسمى القضية الثانية: "تالي".
وعلى أساس الأداة التي تربط بين المقدم والتالي يختلف نوع القضية الشرطية، فهي إما شرطية متصلة، وإما شرطية منفصلة.
ويلاحظ أن تسميتها بالشرطية تمييزاً لها عن القضية الحملية التي هي مطلقة؛ لأن الحكم فيها أطلق بلا شرط أو قيد.
أما القضايا الشرطية فإن الحكم فيها يتوقف على استيفاء شرط معين، فهي مشروطة بهذا الشرط.
ويلاحظ أيضاً أن القضية الحملية التي تدخل في تركيب القضية الشرطية ينتفي كونها قضية مستقلة بارتباطها بالقضية الأخرى؛ إذ إنها تصبح مجرد جزء من قضية أكبر، هي التي يقال عنها إما صادقة وإما كاذبة.